لطالما حظيت دولة الإمارات العربية المتحدة بجاذبية مبهرة لأولئك الذين يخططون للانتقال للعيش في دول أخرى غير بلادهم الأصلية، وبلا شك، تأخذ دبي دائمًا زمام المبادرة عندما يتعلق الأمر بتحسين مستويات المعيشة وأنماط الحياة. ومع ذلك، فإن الحفاظ على نسبة متوازنة من القوى العاملة يمكن أن يصبح تحديًا بسبب العدد الكبير من المغتربين. يساهم هذا التدفق للعمال الأجانب في خلق بيئة ديناميكية ولكنه يشكل تحديات فريدة لإدارة القوى العاملة واستدامتها.
وفي حين نفذت السلطات الحكومية تدابير مختلفة لدفع عجلة التوطين، بدءاً من تحفيز الشركات – مثل تقديم رسوم ترخيص مخفضة وغيرها من المزايا – إلى فرض لوائح صارمة، فإن التحديات لا تزال مستمرة.
المبادرات التي تستهدف خلق قوى عاملة متنوعة
والجدير بالذكر أن الشركات التي تضم أكثر من 50 موظفًا ملزمة بزيادة معدل التوطين سنويًا بنسبة 2٪. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ نهج مستهدف لتعزيز التوطين، وخاصة في الشركات التي لديها عدد كبير من القوة العاملة الوافدة.
أصبحت الشركات التي تضم ما لا يقل عن 20 موظفًا أجنبيًا تخضع الآن لنظام الحصص المحددة. وهم مكلفون بالمساهمة بنشاط في توظيف القوى العاملة الوطنية من خلال توظيف مواطن إماراتي واحد على الأقل في عام 2024، مع متطلبات إضافية لتوظيف آخر بحلول عام 2025. ويوسع هذا التوجه نطاقه عبر 14 قطاعًا، بما في ذلك العقارات والتعليم والبناء والرعاية الصحية. الأمر الذي يؤكد على اتساع نطاق جهود التوطين.
لماذا يعتبر التوطين أولوية بالنسبة لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة؟
من المهم أن نفهم السياق والأساس وراء هذه المبادرة. في حين أن القوى العاملة المتنوعة – التي يتم تعيينها من مختلف أنحاء العالم – يمكنها أن تجلب وجهات نظر ومهارات متنوعة، فإن المحرك الرئيسي للتوطين هو الحاجة الماسة إلى الاستدامة والتنمية الوطنية طويلة الأجل. لا يتعلق الأمر بتقييد تدفق المهنيين المؤهلين من مناطق مختلفة، بل ببناء قوة عاملة تعكس التركيبة السكانية وتطلعات دولة الإمارات العربية المتحدة.
الهوية الثقافية والوحدة الوطنية
للتوطين دور فعال في الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الوحدة الوطنية. فعند ضمان أن عدداً كبيراً من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة يشكلون جزءاً من القوى العاملة، فإننا لا نحافظ على تراثنا فحسب، بل نعمل أيضاً على تعزيز هذا الارتباط العميق والشعور بالانتماء بين أفراد شعبنا.
نقل المعرفة وتنمية المهارات
يعد التوطين بمثابة طريق لتبادل المعرفة والمهارات مع السكان المحليين. فهو يساعد الإماراتيين على اكتساب الخبرة في مختلف القطاعات، ويعزز الاعتماد على الذات ويقلل من الاعتماد على المواهب الأجنبية.
النمو الاقتصادي المستدام
تعتبر القوى العاملة الإماراتية ذات الخبرة عنصراً أساسياً لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. عندما ينخرط الإماراتيون بنشاط في الصناعات الحيوية، فإنهم يساهمون في تنويع الاقتصاد وتحصينه، مما يقلل من التعرض للصدمات الخارجية.
الاستقرار والرفاه الإجتماعي:
إن الحضور المتوازن للإماراتيين في القوى العاملة يعزز الاستقرار والرفاه الاجتماعي. ويضمن التوزيع العادل للثمار الناجمة عن التنمية الاقتصادية، وخلق مجتمع متناغم.
والآن بعد أن أصبح لدينا فهم واضح للدوافع التي تدفع الجهود الكبيرة وراء التوطين، دعونا نتحدث عن التحديات التي نواجهها على هذا المسار ونستكشف استراتيجيات قابلة للتطبيق للتغلب عليها.
الأساليب التقليدية للتطوير المهني
في حين أطلقت العديد من المؤسسات في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل متكرر مبادرات للتطوير المهني وإدارة المواهب للإماراتيين، إلا أن هذه الجهود كانت دائمًا أقل من التوقعات المرسومة.
والسبب الرئيسي لهذا النقص هو سوء توصيف جزء كبير من هذه المبادرات. إن ما يُطلق عليه غالبًا تطوير القيادة والتغيير التنظيمي هو في الواقع نقل تعليمي مبسط للمعلومات في تنسيق مُعد مسبقًا. ومن المؤسف أن هذا النهج يتجاهل الطبيعة الدقيقة والمعقدة للعمل التحويلي الحقيقي.
هذه التدخلات يمكن أن تعيق التنمية الحقيقية. بينما التدريب الفعال لديه القدرة على تحدي الأفراد في جوهرهم، وتوفير رؤية ذاتية للنمو والتعلم والنشر الأمثل لتحقيق النجاح على المستوى الشخصي والمؤسسي.
ماهو الحل؟
ويمتد جوهر المشكلة إلى ما هو أبعد من سوء التوصيف؛ إنه يعكس عقلية أوسع تقلل من “التطوير” إلى مجرد بند في الميزانية. إن ما نحتاج إليه هو تحول في العقلية – وهو نهج موجه نحو الاستثمار يعمل بشكل حقيقي على الارتقاء بمهارات المواهب المحلية.
نحن بحاجة إلى التحول من برامج التدريب الموحدة ذات الحجم الواحد الذي يُفترض أنه يناسب الجميع إلى التدريب الشخصي والمؤثر. يجب على المؤسسات الاستثمار في استراتيجيات التدريب المصممة خصيصًا لإطلاق العنان للإمكانات الفريدة لدى الأفراد وتعزيز ثقافة التعلم المستمر والنمو التكيفي.
لقد كان مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت) في الطليعة من خلال برامج مختلفة مثل برنامج أتدرب لأجل العمل. تم تصميم هذه المبادرة لإعداد مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة لسوق العمل، وتقديم الاستشارات الشخصية والعلاج النفسي للمتعلمين. ويتعاون البرنامج أيضًا بشكل نشط مع الجهات الراعية لتلبية الاحتياجات الأكاديمية والاجتماعية والنفسية للمتعلمين، وتوفير نهج شامل ومصمم خصيصًا لتطويرهم مهنياً.
التفاوت في المهارات
وحتى مع الخطوات الملحوظة التي تقودها الحكومة في مجال التعليم وتنمية المهارات، لا يزال هناك عدم توافق ملحوظ بين المهارات التي يتمتع بها المواطنون الباحثون عن عمل ومتطلبات الصناعات المختلفة.
وينشأ هذا التناقض لأن قطاعات معينة تتطلب خبرات متخصصة أو مهارات فنية قد لا يتم تناولها بشكل كاف في البرامج التعليمية الحالية. وتتجلى هذه الفجوة بشكل خاص في المجالات سريعة التطور مثل التكنولوجيا والهندسة والتمويل والرعاية الصحية. في حين أن مراكز التدريب والتعليم العامة توفر أساسًا متينًا، فإن المعرفة الدقيقة والخبرة العملية مهمة جدًا للنجاح في هذه الصناعات التي غالبًا ما تتطلب مبادرات مركزة ومستهدفة.
ماهو الحل؟
وبمواجهة هذا التحدي، تبرز الحاجة إلى توفر برامج تدريب دقيقة وجهد جماعي يشمل المؤسسات التعليمية وأصحاب العمل. واعترافاً بتعقيدات فجوة المهارات، اتخذت الحكومة نهجاً استباقياً من خلال تعزيز الشراكات بين الجامعات ومراكز التدريب المهني وكيانات القطاع الخاص. هدفهم الجماعي هو سد هذه الفجوة من خلال إنشاء مبادرات تدريبية متخصصة تتوافق بشكل وثيق مع الاحتياجات المتطورة للصناعات.
ولمواجهة هذا التحدي بشكل مباشر، قدمنا حلاً مبتكراً: البرنامج التأسيسي للتدريب على العمل (TFW). وفرت مبادرة التوطين هذه التدريب لـ 1200 مواطن إماراتي. وهو برنامج مدته ستة أشهر من التدريب المكثف، يتبعه 18 شهرًا من التدريب أثناء العمل (OJT). وقد ساعد ذلك في التغلب على فجوة المهارات وتعزيز تنمية القوى العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
حواجز اللغة
بالنسبة لبعض الإماراتيين، يشكل إتقان اللغة الإنجليزية تحديًا، حيث أنه وخلال التفاعل مع أفراد من خلفيات متنوعة، يمكن أن يؤثر حاجز اللغة هذا على التواصل. فكر في الأمر – عندما تصبح اللغة عقبة، فإنها تتجاوز الكلمات التي نقولها؛ فهي تؤثر على كيفية عملنا معًا ومشاركة الأفكار والمساهمة في تحقيق الأهداف المشتركة. ولهذا السبب من المهم التعرف على هذا التحدي والتصدي له.
ماهو الحل؟
إن معالجة الحواجز اللغوية لا يتعلق فقط بإيجاد حل أحادي؛ بل يتطلب الأمر إنشاء استراتيجية شاملة. في مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت) ندرك أهمية التغلب على هذه التحديات. حيث تم تقديم برنامج التأهيل من أجل التوظيف (ERP) لشركة اينوك، وهو برنامج ذو أهمية وطنية في قطاع الطاقة، اتبعنا فيه نهجًا فريدًا.
حيث أننا لم نركز فقط على المؤهلات الفنية؛ بل قمنا أيضاً بدمج شهادات متخصصة مع التركيز على مهارات اللغة الإنجليزية والتمكين التأسيسي. تساعد الدورات المهنية مثل هذه في تزويد الأفراد بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح في بيئة العمل.
التفكير قصير المدى في اجتذاب المواهب
قد يبدو اختيار محترفين من بلدان أخرى بمثابة الطريق الأسهل – طريقة سريعة لتحسين الأداء على الفور دون التسبب في أي مشاكل. وهناك مواقف يكون فيها هذا النهج مبررًا، خاصة عندما يكون هناك نقص في الإماراتيين المؤهلين لشغل أدوار محددة. ومع ذلك، فإن اتباع هذا النهج يخفي في بعض الأحيان مشكلة أكبر – فقد يؤدي إلى تفكير قصير المدى وأنماط غير منتجة.
ماهو الحل؟
من المهم بالنسبة للشركات التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً لها أن تحول تركيزها، حيث يجب أن يكون التركيز على الجدارة والكفاءة. نحن بحاجة إلى إعطاء الأولوية للأداء على أساس المهارات والقدرات. وسيعمل هذا النهج على تعزيز ثقافة التميز والعدالة داخل المنظمة.
توقعات الرواتب والتقدم الوظيفي للإماراتيين
على غرار مثيلهم من الباحثين عن عمل في جميع أنحاء العالم، يعتمد الإماراتيون في توقعات رواتبهم على عوامل مثل التعليم والخبرة وظروف السوق الحالية. لكن معظم الصناعات تقدم رواتب أقل تنافسية، مما يثني الأفراد عن ممارسة حياتهم المهنية في تلك القطاعات.
ماهو الحل؟
ولمعالجة هذه المخاوف، يتعين على أصحاب العمل اتخاذ خطوات لتقديم رواتب تتوافق مع توقعات الإماراتيين. يتضمن ذلك إجراء أبحاث مستمرة للسوق وقياس حزم التعويضات للتأكد من أنها قادرة على المنافسة وفقًا لمعايير السوق.
يجب على أصحاب العمل توفير مسارات وظيفية شفافة ومحددة بشكل جيد للتخفيف من المخاوف بشأن التقدم الوظيفي. يجب أن تحدد هذه المسارات الأدوار والمسؤوليات والمهارات والخبرة اللازمة للتقدم داخل المنظمة.
مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت) – رعاية مبادرات التوطين من أجل مستقبل مزدهر
إن التوطين رحلة مليئة بالتعقيدات والتحديات، وتتطلب تفاني وتآزر جميع المعنيين لتحقيق النجاح الحقيقي. في مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت)، نحن ملتزمون بشدة بقيادة مهمة تحويل القوى العاملة الإماراتية إلى مجتمع متكامل وحيوي يحتفي بتراثه الثقافي المتنوع. باعتبارنا الذراع الاستثماري والتدريبي لكليات التقنية العليا، فإن مهمتنا الأساسية هي تقديم برامج ذات مستوى عالمي تعمل على تمكين القوى العاملة في دولة الإمارات.
ومن خلال مبادراتنا التي ترتكز على تحسين المهارات وإعادة المهارات، يعمل فريق مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت)، بنشاط على تشكيل مستقبل القوى العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر المؤسسات الفيدرالية والحكومية المحلية وشبه الحكومية والخاصة. يتضمن أسلوبنا منهجيات تدريب كثيفة ومؤثرة، وتوفير التدريس العملي الموجه نحو سوق العمل الذي يدفع إلى النجاح الوظيفي.
في مركز التفوق للأبحاث التطبيقية والتدريب (سيرت)، نقف كمنارة تضيء الطريق نحو مستقبل يكون فيه التوطين أكثر من مجرد هدف – إنما عنصراً أساسياً في قوة عمل نابضة بالحياة ومتنوعة.